Menu

في ذكرى انطلاقة الجبهة الشعبية السادسة والخمسين، الرفيق مروان عبد العال:

رسالتنا أن الثقافة  قوة روحيّة للمقاومة

مروان عبد العال

بيروت - بوابة الهدف

 

وجه الرفيق مروان عبد العال عضو المكتب السياسي في الجبهة مسؤول المكتب الثقافي  المركزي رسالة في ذكرى انطلاقة الجبهة الشعبية السادسة والخمسين جاء فيها: 

 
 عندما انطلقت الجبهة الشعبية  قبل ٥٦ عاماً  أدركت من خلال كتلتها التأسيسية الأولى التي شكلت نخبة  فكرية عربية متقدمة، أن السياسة والثقافة كائن متلاحم، يشكل رافداً للعمل أساسياً الكفاحي، وواجبها  تحصين  روح الشعب من ثقافة اليأس والهزيمة والاستسلام.
لذلك مثلت الجبهة بقيادتها الأولى، المعلم جورج حبش ووديع حداد وهاني الهندي وغسان كنفاني وباسل الكبيسي والخ، شعلة متقدة تسطع بثقافة الحياة والتقدم والإبداع والعطاء وزرع الأمل وحماية الإرادة، لتمثل القوة الروحية للاستمرار في المقاومة. فلا مقاومة ولا تضحية ولا انتصار ولا تحرير بلا قوة العقل والمعرفة وصلابة الإرادة وروح الامل.
 
وعلى ذلك، لم تنحصر ثقافة الجبهة على البناء الذاتي فقط  بل تصدت لمهام الثقافة الداخلية والخارجية،  كمقدمة ضرورية  في المساهمة الفعّالة في تجسيد الهوية الوطنية الفلسطينية والانتماء العروبي وبحيوية متميزة: واحتفظت بجماليتها وابداعيتها وقيمتها الإنسانية وعمقها الوجداني دون أن تتنازل عن حقها في نقد العوالم الاجتماعية السائدة، وطرح معضلاتها وسبر أغوار روحها العميقة وطرق تفكيرها وأساليبها وأنماطها التعبيرية،  وهي تنشد لامتلاك ناصية المعرفة والوعي الشامل، بما يعزز  عناصر التفاؤل والأمل والثقة الراسخة بانتصار الحق والخير والعدالة. 
عندما ننظر لمسيرتنا التاريخية في يوم تأسيس الجبهة، ننحني للقامات التي صانت الشخصية الثقافية التي ميّزت حزبنا، وجعلت  الرواية والقصيدة واللوحة والأغنية ملكها، تتأمل فيها تجاربها وتدون عليها مآسيها. صارت للثقافة المقاومة بعداً جمالياً لهويتها ونشيدها الملحمي.

في ظل الهجوم الوحشي على شعبنا وروايتنا وثقافتنا وفكرنا وروحنا ، لا يمكن رؤية هذا العدوان الصهيوني الاستعماري اليوم إلا استكمالاً لحرب الإبادة الثقافية، لذالك استهدفت "إسرائيل" الثقافة الفلسطينية والمثقفين الفلسطينيين منذ إنشاءها وليس من السابع من اكتوبر ٢٠٢٣، وسعت للتخلص منهم وتحييد دورهم وتغييبهم، لتدفن الثقافة الفلسطينية وتحاصرها وتمنع تواصلها مع محيطها العربي، وتكتمها عن الساحة الدولية. لذلك كان المثقفون والمفكرون الفلسطينيون على رأس قائمة الاستهداف الصهيوني، لإدراك الاحتلال أن هؤلاء يشكلون بثقافتهم ودورهم خطراً كبيراً، فقامت الأيادي الصهيونية السوداء باغتيال الشعراء والصحافيين والأطباء وأهل العلم  والفكر والأكاديميين والأستاذة ، وحصدت حربها  على قطاع غزة محو وتدمير أكثر من ٢٢ مركزاً ثقافياً، كما كانت قد قتلت في سياق هذه الإبادة واغتالت في وقت مبكر عقول فلسطينية ثمينة من غسان كنفاني، وائل زعيتر، كمال ناصر، عز الدين القلق، ماجد أبو شرار، عبد الوهاب كيالي، حنا مقبل، ناجي العلي، وغيرهم من شهداء الكلمة والثقافة والفكر، وكذلك حاولت اغتيال المفكر أنيس صائغ وغيره.
 الرفاق الاعزاء: اليوم لا يمكن عزل فعل المقاومة عن ثقافة المقاومة وما تمثله من عقيدة كفاحية باتت تتردد على ألسنة الأطفال لأنها تجري في عروق مشهد الدم الفلسطيني الذي لا يكتمل دون مبدعين شكلوا وجدان وعزيمة الشعب من جيل إلى جيل.
وكما ظهر للجميع أن الصراع هو صراع روايات متناحرة بين، رواية أصيلة وأخرى مزيفة، رواية حقيقية وأخرى ملفقة، رواية متجذرة وأخرى مخترعة،  بقدر ما هو صراع على المكان والجغرفيا والتاريخ والحاضر والمستقبل، الذي يبدأ من كل حبة رمل  من دونمات الأرض إلى أول حرف من أبجديات اللغة، في سبيل حفظ الوعي والرواية الفلسطينية والحق.
هي دعوة بالنسبة لنا ضرورة خوض حرب القوة الناعمة من خلال فهم ثقافة المقاومة بحيث ننتج فاعليتها ليس كأداة تعبير بل كأداة خلق وبلورة وتغيير. وبمناسبة الانطلاقة علينا أن نعود إلى المنظومة الكنفانية المبنية على أساس أن الثقافة هي "الأرض الخصبة التي تستولد المقاومة المسلحة وتحتضنها وتضمن استمرارها وتحيطها بالضمانات". الأدب المقاوم كما عرفه غسان كنفاني هو محاولة لإيجاد المعادلة الصحيحة، وبأن مجتمع المقاومة بثقافته، بحفاظه على ذاته وتعبيراته ولغته وأدبه، هو وعاء العمل المسلح، وأن الأخير هو نتاج للأول، وليس العكس. وهو الذي ردد في أكثر من مناسبة "الكلمة بندقية " بفعلها وقوتها ومسؤوليتها. 
وهي لا تمثل خط الدفاع الأخير فقط ، بل خط الدفاع الأول في معركة الذات والهوية الثقافية، فلم تقم نهضة في أمة إلا وكانت الثقافة في قلب مشروعها، ولا يمكن الخروج من الأزمة إذا كان سؤال الثقافة غائباً!

كل البنادق  نحو العدو 
والخلود لشهداء الجبهة والمقاومة وفلسطين 
المجد للفكرة والكلمة والطلقة 
والنصر  لنا

16 كانون أول 2023